
يعيش الشباب العربي أزمة اغتراب حقيقي وقد اتضحت هذه الحالة كثيراً لدى المراقبين والمهتمين، وخاصة لمن يعتمد طريقة الاستفتاء العام، حيث اتضح من خلال العديد من الاستفتاءات التي نشرت حجم الشعور بالاغتراب والعزلة لدى الشباب العربي، وذلك في ضوء ما يشهده العصر الحاضر مـن متغيرات وتحديات في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أدى إلى حدوث شرخ بين هوية المجتمع والثقافات الجديدة.
لماذا الشباب؟: الاهتمام بفئة الشباب العربي مرده الي انهم الفئة الأكثر تضرراً وتأثراً بقضية الاغتراب والفجوة الثقافية التي يعيشها، ولأنهم يحملون طاقات فكرية كبيرة كما أن هناك ازديادا كبيرا في نسبة عددهم إلى المجموع العام من عدد السكان، إضافة إلى وجود النقص الحاد في توفير الاحتياجات الخاصة للشباب لكل الجوانب السابق ذكرها.
أسباب الاغتراب: هناك الكثير من الأسباب والمسببات التي دفعت بشبابنا العربي إلى هذه النتيجة المؤلمة. هناك عديد الأسباب، ولكن اتفق الباحثون علي الأسباب التالية:
- الأنظمة البيروقراطية وأنماط السلطة غير الديمقراطية التي يعيشها الشباب العربي تجعل دوره ينحصر في الخضوع لها والالتزام بقوانينها مما يشعره بالعجز وعدم القدرة على تحقيق ذاته.
- ابتعاد أصحاب الخبرة والقدوات الصالحة عن التفاعل الشبابي بالقدر اللازم والكافي لنقل تجاربهم وخبراتهم الفعلية لهذه الفئة، دون تسجيل أحكام مسبقة على هذه الفئة
- تراجع الأوضاع الاقتصادية العامة والتي تشكل أحد الاسباب الرئيسية لدفع عجلة تفاعل الشباب مع بيئتهم ومجتمعاتهم.
كيف يتفاعل الشباب مع هذه الحالة؟: ونرى أن الشباب العربي في هذه الحالة يحاول الانسحاب من مجتمعه، وأحيانا كثيرة يلجأ للتمرد عليه أيضا، ويرفضه في أحيان أخرى. ولكن هل يحاول هذا الشباب أن يغير واقعه كما يجب. فلا يمكن أنكار أن الشباب العربي يحاول منذ سنين أن يتخلص من هذا الواقع الذي يعيشه، وأنه قد استخدم ولجأ إلى الكثير من الوسائل والطرق، وربما أهمها إحداث الثورات التي كان يرغب من خلالها أن ينتقل عالمه من حال إلى حال. ومن المؤكد أن انطلاقة السابع من أكتوبر ما كانت إلا بأيد شبابية عربية، واستمرار المقاومة والنضال ضد المحتل لم يكن ليكون دون السواعد والعقول العربية الشابة.
ولكن هل تقوم الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة بالقيام بواجبها اللازم تجاه شبابنا العربي؟ سؤال يحتاج إلى كثير وكثير من تفصيلات توضح حقيقة الأمر بكل شفافية. فلا نملك إلا أن نقول: بأن قضية الشباب العربي وشعوره بالاغتراب فوق أرضه لا تزال عالقة ومتأرجحة ما بين الصد والرد. فعلي سبيل المثال لا الحصر نستعرض التالي:
- عدم الإسراع بإيجاد الحلول المناسبة ومعالجة مشاكل التعليم من مناهج ومعلمين ومباني ومرافق واعتماد المنهجية الحقيقية في المحتوى، يؤكد على استمرارية تجاهل هذه القضية الهامة، وسيؤدي بالشباب إلى مزيد من العزلة والاغتراب والضعف الفكري.
- ويمكن أيضا أن نشير إلى الضعف الشديد في كتابة التاريخ العربي بحقيقته، بل وتشويهه أحيانا كثيرة، مما يجعلهم عرضة لكل صاحب فكر مدسوس، وتقبله أيضا من قبل أولئك الشباب بسبب قلة المعرفة والاطلاع.
- ولا ننسى أن ضعف مشاركة الشباب العربي بالحالة السياسية لأوطانهم سيؤدي بهم حتما إلى مزيد من العزلة، بل وتحول مشاعرهم المتناقضة إلى القابلية لاستقبال أية فكرة مشوهه يمكن طرحها عليهم.
شبابنا اليوم، إمّا أن يكونوا الأداة الأولى في بعث نهضة حديثة لدولنا وشعوبنا، وإمّا أن يتحوّلوا إلى وسيلة لتدمير ما بنته الأجيال السابقة، ففي عصر العلم والعولمة، ليس أمامنا كثير من الخيارات ولا الكثير من الوقت لنفكّر ونقرر، فنحن والزمن في سباق مميت وعلينا – حكومات وقيادات في كل المواقع – أن نبدأ في وضع قضيتهم في مقدمة المسائل الوطنية ونشرع في وضع الحلول وتطبيقها لمصلحة أجيال الشباب. وعلينا أن نعيد تنظيم مجتمعاتنا وحياتنا وفق واقعهم وحجم قوتهم ومدى تأثرهم بما يجري من حولنا في العالم. فنحن نعيش في حالة سباق مع الزمن والوقت لأجل السرعة في احتواء الشباب العربي وعدم تركه لحالة الانعزال التي يذهب نحوها والتي إن حدثت لا سمح الله سننتقل من مجتمعات حية نابضة إلى مجتمعات لا تفعل شيئا سوى الموت البطيء.